رحلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله- مع التراث قصة متعددة الفصول، استمت بالصبر والحكمة ومعالجة التحديات، والعمل بشراكة مع الجهات الحكومية والمجتمعات المحلية، حتى تحقق للتراث ما تحقق من نقلة نوعية وإنجازات ضخمة. لقد مر تراث المملكة وآثارها بمراحل كثيرة، وكان الملك سلمان المنقذ لها والمرجع والسند، وكنت شاهداص على ذلك بصفتي مهتماص بالتراث في فترة سبقت إنشاء الهيئة العليا للسياحة. ومع بداية ما يسمى بالطفرة، شهدت المواقع والمباني التراثية إهمالاً أدى إلى اندثار كثير منها وإزالته، ورافق ذلك نظرة سلبية من المجتمع للتراث، وفي مجال الآثار انتشرت مفاهيم خاطئة عن الآثار. كنا نعاني في جمعية علوم العمران وبرنامج العناية بالمساجد التاريخية من هذا الإهمال وعدم الاهتمام، وأتذكر عند البدء في إعادة بناء بيت العذبيات دهشة بعض الناس وتساؤلهم، كيف أبني بيتاص من الطين، ووسط هذا الواقع كان لابد من وقفة حازمة من قائد مثقف يحب التراث ويعي أهميته، فقاد الملك سلمان- أمير الرياض آنذاك- الحملة لإعادة الاهتمام بالتراث وتطويره. إن ما تحقق لقطاع التراث الوطني من إنجازات، وما ناله من جوائز وإشادات هو نتاج ما لقيه من دعم واهتمام من الملك سلمان –حفظه الله- الذي عاصر قطاع الآثار والتراث منذ نشأته قبل 50 عاماً، وتبنى قرارات مهمة وتاريخية لحمايته منذ عهد الملك سعود- رحمه الله-، وتوج هذه الدعم من مقامه الكريم بتبنيه – أيده الله- المشروع الإنقاذي الرائد "برنامج خاد الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري" للمملكة، ومساندته لتحقيق أهدافه، وهو ما نتج عنه مشروعات ومبادرات تم تنفيذها مع الشركاء بمستوى عال من المهنية، بهدف المحافظة على التراث الوطني، وتأهيله، وتطويره، وجعله واقعاً معيشاً يسهم في ربط المواطن بتاريخ وطنه. ولأني كنت قريباً منه، فقد تعلمت حب التراث والتعلق به واستشعار أهميته وقيمته التاريخية والثقافية والاقتصادية، فواصلت جولاتي على المواقع التراثية، وشاركت وأسرتي في بناء بيت العذبيات من الطين، وكلفت من والدي بالإشراف على تصميم قصر العوجا بالدرعية وبنائه وتجهيزه. لقد تأثرت بحرص الوالد على زيارة المواقع التاريخية، واستذكار ما شهدته من قصص ملحمة تأسيس هذه البلاد وتوحيدها ودعوته إلى ربط المواطنين بهذه المواقع من خلال زيارتها، وليس القراءة عنها في الكتب فقط. لقد كانت نظرة الملك سلمان للتراث نبراسا لي للاستمرار على الرغم من تراكم الصعاب والتحديات في تلك الرحلة المضنية التي أثمرت –بفضل الله تعالى ثم بشراكة كثير من المهتمين والمخلصين والمحبين- عن تحولات عميقة في نظرة المجتمع، وحتى المؤسسات الحكومية للتراث، ونتج عن ذلك كثير من الإنجازات والمبادرات التي نبعت وتشكلت منها فرص هائلة للتحول نحو اقتصاد التراث الذي نراه يتشكل أمامنا في الوقت الحاضر، وهي رحلة ذكرت تفاصيلها في مقدمة هذا الكتاب، وفي عدد من فصوله.