دائمًا ما تكون النهايات بدايات لفصول جديدة، فنحن نعيش الحياة بيومها ونرى تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر، والفصول والأعوام، فسنة التغيير هي الوحيدة الباقية حتى قيام الساعة، فيحسن القول بأن الثابت الوحيد في معادلة الحياة هو التغيير. في رحلة التغيير هذه تغيّرت لديّ صفات وقناعات، وانمحت في ذهني صورٌ وتنميطات، واستزرعَت في ذاكرتي تجاربَ وشخوصًا وذكريات، كل ذلك يجعلني شخصًا ذا نفوذ أكبر على ذاتي، متحكمًا ومنطلقًا بها إلى أبعاد جديدة، وآفاق متغيرة. لم تتوقف رحلتي يومًا هُنا، فما إن انتهت حتى وجدت أبوابًا كثيرة فُتحت في أمكنة أُخَر، فصارت نهاية القصة الواحدة، بدايات متعددة لقصص وروايات أخرى. خرجت من هذه الرحلة وفي جعبتي أصدقاء تشاركنا معًا الكثير من المواقف والأحاديث والذكريات، سجل هاتفي أصبح فيه أسماء من البرتغال وتشيلي وبريطانيا وأمريكا وألمانيا ومصر وتنزانيا بالتأكيد. أصبح لدي صديق حقيقي أعرف صدقه وأعتمد عليه في أروشا، وهو كريم بن سليمان، أصحبنا ننشغل في مشروعات عظيمة لم أكن أحلم فيها لولا هذه التجربة وهذه الصداقة، لا شك بأن لي زيارة أخرى لعائلة سليمان التي لا أنقطع في تواصلي معها. دافي البرازيلي واصل ترحاله في العالم، فمنذ تركته في زنجبار، أصبح يجوب قارة أفريقية ولم يدع بلادًا في شرق أفريقية إلا فتحها، وعندما انتهى انتقل إلى الهند والنيبال وأصبح يتجول فيها كالمجنون، ثم تايلاند والفلبين وغيرها، أمضى حياته يسافر وينتقل لما يزيد عن الثلاث سنوات، الحياة قد تكون سفرًا طويلًا، بل هي كذلك ولكننا غافلون. الجهل بالشيء يُعمي، والذي يُدرك عماه وضعف بصيرته فهو في نعمة كبيرة، فهناك الكثيرون لا يُبصرون وهم بأعين مفتوحة، لأنهم يظنون أنهم يرون الحقيقة ويدركون الواقع كما هو، بينما هو إدراك واهم وبصيرة زائفة. الجهل باتساع رقعة هذا العالم، واتسّاع شعوبه وقبائله، واختلاف تضاريسه ومنابعه، وتشابه الطبيعة البشرية وضروريات الحياة يحثّ المتفكّر والباحث على كشف الغُمام وإزالة البراثن والأوهام، والسير في مناحي البلدان وجنبات القرى، والتعرف على الوجوه الكالحة وما تخفي العيون السارحة.