في هذا الكتاب يأتي زهير المدنيني بعد حوالي قرن من الزمان إلى ما بدأه أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل ومترجم كتابات أرسطو في الأخلاق والسياسة ويحاول أن يقف موقفه في دراسته للأخلاق وكيف تسهم في التعاون الدولي، في المرحلة التي نحياها في ظل الحضارة الغربية الرأسمالية المهيمنة في صورتها العولمية الحالية التي يطلق عليها توني نيجري ومايكل هارت الإمبراطورية. ومن خلال مؤلفه هذا يسعى المدنيني إلى بلورة صورة إنسانية تفتح على أفق مواطنات جديدة تنتشل الإنسان من المسخ السياسي اليوم الذي «احتلّ مسرح ما بعد الحداثة «من أجل استئناف التفكير في الإنساني المتشوّف إلى مواطنة عالمية راسخة في فضاء المعمورة يمكن أن يمنحنا إمكانات جديدة لتصوّر كوني لا يرادف العولمة. كما يهدف إلى استئناف التفكير في الكوسموسياسي الكانطي من أجل تخليص الكوني من العولمي. ذلك أنّ القصد من إعادة طرح مسألة الكوسموسياسي اليوم كما يرى إنّما يرتبط بتداعيات عنف العولمة، وتسلّط آلة الحرب تحت توجيه غطرسة الأقوى على العلاقات البشرية، ومن هنا يتجه طرق مسألة المواطنة العالمية؛ ضمن نطاق «قراءة بعدية» لمشروع السّلم الذي كان كانط قد أثاره في مشروعه الكوسموسياسي. ومن هنا لا يوجد كما يقول ما يعبّر عمّا تشهده الإنسانية اليوم في أرجاء العالم من عبارة «الانسداد السياسي»، بل توشك السياسة أن تتلاشي وتتوارى أو تختفي في ظلّ ما يشهده العقل من «عجز» عن إيجاد سبل مجابهة الخطير الإمبراطوري ، هذا إن لم يكن العقل نفسه قد انزاح «رغما عنه» عن الطريق الذي يفترض أن يسلكه انسجاما مع مبادئه وأعمق رهاناته الإيتيقية. ويرى المدنينى أننا لو نظرنا في طبيعة العولمة على نحو مستقلّ ومنفصل عن الكوني، لاكتشفنا أنّ طبيعة الكوني مختلفة جذريّا عن العولمة، فكلاهما يلغي الآخر ، ولا يستقيم وجود أحدهما في ظلّ حضور الآخر، فالعلاقة بينهما هي علاقة تناف متبادل، إذ إنّ العولمة يخترقها تناقض حادّ بين سياق مهيمن للرّأسمالية الشّاملة التي لا تخلو من غموض، وسياسة ذات حمولة عالميّة مطالبة بالتصدّي لما يترتّب عنها (أي العولمة) من آثار.