بعد روايته الأولى "أم الحسن" يعود الروائي التونسي "صالح بن الهادي رمضان" لمواصلة مشروعه الروائي في كتابة الذاكرة الثقافية الحضارية "الجماعية"، المتمثل في روايته "أرق النار وقلق الماء"، يعود مرة أخرى للحديث عن تاريخ تونس المعاصر في حقبة "الستينيات والسبعينيات" من القرن العشرين. واللافت هذه المرة رجوعه إلى الرواية الواقعية ووظيفتها الجمالية بنفس جديد، قائم على الرمز والحلم والوصف والحوار والديالوج، متشبع بقضايا العصر الراهن وبتداخل الأصوات. هذه الرواية اعتبرها النقاد رواية اجتماع المستحيل، فالماء والنار لا يجتمعان في عادتهما إلا مع مريم النوى، اتفقا واجتمعا بأن يكوناً وقوداً لحلم، وُجد ليلازم غفوتها كما يقظتها، بل أكثر من ذلك، بأن يكوناً امتداداً لحالة صنعت حولها هالة ذات مبدأ لم تخترق بسهولة. وقد نجح الكاتب في استثمار تقنيات حديثة للكتابة الروائية، حيث حرص على تداخل الواقعية والتخييلية وامتزاج إحداهما بالأخرى، مما أظهر قدرته على حسن استغلاله لأحداث حصلت بالقرب منه وأمام عينيه، لأحداث عاشها جيل كامل، أحداث سياسية، تاريخية، تعليمية، اجتماعية، أحداث تنفس تفاصيلها من طفولته دقائق وتفاصيل من خبرات، ومواقف، وثقافات، فما كان منه إلا أن ضخها دماء تروي عروق روايته، مما زاد من عمرها، وجعل معها الوصول إلى مساحات، إلى عمق، إلى فكرة. ترتكز البنية الدّلاليّة للرّواية على ثلاثيّة النّار والحلم والماء لتندرج ضمن ما ذهب إليه فلاسفة اليونان من إمبيدوقليس إلى أفلاطون فأرسطو من أنّ كلّ ما في الكون يرتدّ إلى أربعة عناصر: التراب والماء والهواء والنّار.